بين الركام والخيام.. لماذا يهدد موسم البرد حياة أكثر من مليون أفغاني؟
بين الركام والخيام.. لماذا يهدد موسم البرد حياة أكثر من مليون أفغاني؟
حذّر الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر من أن آلاف العائلات الناجية من الزلزال في أفغانستان، والممتدة معاناتها في خيام مؤقتة، تواجه شتاءً قاسياً يهدّد حياة كثيرين ما لم تُضَخّ مساعدة طارئة وكافية خلال الأسابيع المقبلة.
المنظمة أطلقت مناشدة طارئة لتمويل عمليات مأوى وشتاء بقيمة 25 مليون فرنك سويسري، وقالت إن التمويل المحصّل لا يغطي سوى نحو ثلث المبلغ المطلوب، بينما لا تزال احتياجات الحماية والغطاء الغذائي والصحي ضخمة، وفق "أفغانستان إنترناشيونال".
أبعاد الأزمة
أحداث أواخر أغسطس 2025، عندما ضرب زلزال شدته نحو 6 درجات شرقي أفغانستان، أدّت إلى سقوط آلاف الضحايا وتدمير آلاف المنازل في محافظات جبلية نائية مثل كونر وننغرهار ولغمان ونورستان، والكارثة الطبيعية لم تكن وحدها السبب؛ بل إنّها انقضت على مجتمع مُنهك بفعل أزمات متراكمة تتجسد في تقلص المساعدات الدولية منذ 2021، وعودة موجات لاجئين ونازحين داخل البلاد، وأنظمة صحية وهياكل سكنية هشة، وبُنى تحتية مدمرة في مناطق يصعب الوصول إليها، ونتائج ذلك ليست مجرّد إحصاءات بل إنسانية، فالعائلات التي فقدت مأواها تُجبر الآن على مواجهة برد شديد في مخيمات غير محمية.
حجم الضرر والاحتياجات الفعلية
التقارير الأممية ومنظمات الإغاثة تُجمع على أرقام تكشف عمق الكارثة: أكثر من 2,200 قتيل وآلاف المصابين، وآلاف المنازل المدمرة، وتأثير مباشر أو غير مباشر على أكثر من مليون شخص تجاوزت تقديرات بعض الجهات 1.3 مليون فرد متضرر، من بينهم عشرات آلاف الذين يقيمون في مخيمات مؤقتة أو خيام لا تصلح لفصل الشتاء في مناطق جبلية يقسو فيها الطقس، كما بُلغ أن نحو 11 ألف نازح يقيمون في مخيمات بمقاطعة كونر وحدها، وفي المقابل، وصلت مساعدات مبكرة إلى عشرات آلاف الأشخاص (نحو 90 ألفاً بحسب بعض بيانات الاتحاد الدولي)، لكن الفجوة التمويلية واللوجستية لا تزال كبيرة للغاية.
الأطفال والنازحون الأشد عرضة للخطر
المنظمات الإنسانية تحذّر من أن الأطفال هم الأكثر تضرراً حيث كان أكثر من نصف القتلى في الموجة الأولى كانوا من الأطفال، ومئات الآلاف من الأطفال عرضة لسوء التغذية الحاد مع تزايد خطر تفشّي الأمراض بسبب نقص مرافق المياه والصرف الصحي وغلق بعض العيادات المتضررة، وأجرت هيئات مثل اليونيسف عمليات فحص غذائي لعشرات الآلاف من الأطفال وعالجت حالات سوء تغذية حادة، لكنها تشدّد على أن استجابة مستدامة لشتاء قاسٍ في أفغانستان تتطلب موارد صحية وتغذوية أكبر بكثير مما هو متوافر حالياً.
استجابة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية ومواضع القصور
الأمم المتحدة أطلقت نداءً طارئاً لتمويل الاستجابة في أفغانستان، بما في ذلك خطة طوارئ بقيمة تقديرية تقارب 140 مليون دولار لتغطية احتياجات الأشهر المقبلة قبل حلول الشتاء، وفي الميدان، تعمل وكالات مثل WFP وIOM والأونروا (حيث ينطبق) ومعها الصليب الأحمر والهيئات المحلية على توصيل الغذاء والماء والخدمات الصحية، لكن العقبات تشمل التضاريس الجبلية، الطرق الوعرة، ندرة الموارد المسبقة التمركز، وصعوبات الوصول في مناطق نائية، إضافة إلى الإطار السياسي الذي يحدّ من طاقم العاملين (خاصة نساء العاملين الإنسانيين) ويزيد كلفة ووقت الوصول.
ردود المنظمات الحقوقية والإنسانية
منظمات حقوق الإنسان الدولية طالبت بضمان وصول إنساني غير مقيّد إلى جميع المتضررين في أفغانستان، ودعت السلطات المحلية إلى إزالة الحواجز الإدارية التي تعطل تقدير الاحتياجات وتوزيع المساعدات، وشددت منظمات حقوقية منها “أمنستي” على أن الإغاثة يجب أن تُقدّم دون تمييز وأن تُصان خصوصية النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة، فيما حذّرت من أن تأخّر الاستجابة قبل الشتاء سيضاعف حصيلة القتلى وينتج أزمات تغذوية وصحية طويلة الأمد.
إطار القانون الدولي الإنساني وواجبات الفاعلين
بموجب مبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، تقع على الجهات الفاعلة مسؤولية حماية المدنيين وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، وهذا يفرض التزاماً على السلطات المحلية وباقي الأطراف بعدم عرقلة توزيع المساعدات، وتوفير الضمانات اللازمة لسلامة العاملين الإنسانيين، وضمان عدم التمييز في تقديم الإغاثة، كما أن تعهّد المانحين الدوليين بضخ التمويل لا يواكبه دوماً آليات فعالة للرقابة والمساءلة، ما يضع على عاتق المجتمع الدولي ضرورة ربط التمويل بخطط عملية قابلة للتنفيذ وضمان وصولها للمستهدفين.
التداعيات المتوقعة إذا فشلت الاستجابة المكثفة
إذا لم تُسرّع وتتكثّف التدخلات الشتوية، فالتداعيات لن تقتصر على ارتفاع حصيلة القتلى بل ستمتد إلى موجات جديدة من النزوح الداخلي، تفاقم سوء التغذية المزمن بين الأطفال، انهيار صحة الأم والطفل، زيادة خطر انتشار الأمراض المتصلة بالمياه، وتراجع قدرة الأسر على التعافي الاقتصادي والاجتماعي، كما أن فشل الإغاثة قد يفاقم هشاشة المجتمعات المحلية ويطيل أمد الاعتماد على المساعدات ويوسّع دائرة الفقر في مناطق كان لها موارد ذاتية محدودة قبل الكارثة.
توصيات عملية ملحّة
أوصى مراقبون بضرورة تمويل فوري كامل للنداءات الطارئة بهدف إغلاق فجوة الـ25 مليون فرنك سويسري لمبادرة الصليب الأحمر، وتلبية مناشدات الأمم المتحدة لتغطية نفقات المأوى والطوارئ الصحية والغذائية، إضافة إلى تسهيل وصول المساعدات برفع أي عقبات إدارية، وتمكين عمل فرق إغاثة محلية ودولية، مع ضمان أمنية لاعتماد حرّية عمل النساء العاملات الإنسانيات وترحيل مواد وملاجئ جاهزة ومواد تدفئة قبل موجات الصقيع والتوجّه لعمليات "الشتاء أولاً" لأن الخيام وحدها غير كافية في مناطق تصل فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، إضافة إلى خطة تغذية واستشفاء مستمرة من خلال دعم برامج علاج سوء التغذية في الأطفال، وإعادة تأهيل المرافق الصحية المتضررة، وضمان إمداد نظيف للمياه لمنع تفشّي الأمراض.
التحذيرات الحالية ليست مجرد بيانات فنية؛ إنها إنذار إنساني يطول ضمير المجتمع الدولي. إنقاذ أسر أفغانية من قسوة شتاء قد يكون قاتلاً يتطلب قراراً سياسياً سريعا، تمويلاً عاجلاً، وتنسيقاً عملياً على الأرض فالوقت المتبقي محدود، وفارق الحياة والموت يحدد الآن بمقدار الخيم المعززة والبطانيات المعزّزة التي تُسلَّم قبل أول موجة صقيع، وبسرعة الوصول إلى من هم تحت الركام أو في الخيام على المنحدرات الجبلية.